القاهرة : ناقش المركز القومى للترجمة، فى ندوته مساء أمس كتاب "حكم
الخبراء: مصر التكنو - سياسة الحداثة" الصادر عن المركز مؤخراً من تأليف
البريطاني تيموثى ميتشل وترجمة بشير السباعى وشريف يونس.
وقال
مترجم الكتاب بشير السباعي أن العمل المترجم يضم أربع دراسات كتبت منذ
عشرين عاما، وقد قام حينها بترجمتها للعربية، ونظرا لإرتباط مستشاري دور
النشر بالأجهزة الأمنية في مصر، امتنعت احدى دور النشر الكبيرة عن نشر
الدراسة التي كانت بعنوان "مصر الأمريكية" ولم تبدي تفسيراً معقولاً.
وتولت دار فلسطينية نشر الكتاب تحت عنوان "مصر في الخطاب الأمريكي" ودخل
الكتاب مصر عبر موزع مصري يعمل مع تلك الدار الفلسطينية ولم يكن الكتاب
محل ترحيب من جانب النظام السابق.
يواصل المترجم: حين سلمت الكتاب
بشكله الحالي إلى المركز القومي للترجمة كنت أشعر بالقلق هل سيصدر أم لا ،
ورغم أن الكتاب يحمل تاريخ 2010 لكنه لم يخرج من المطبعة إلا بعد ثورة
يناير.
الاشتباكات الأساسية في هذا الكتاب كما يقول مترجمه تنفي
المزاعم التي كان يرددها النظام السابق ومعه الولايات المتحدة الأمريكية
على مدار عقود أن مشكلات مصر تكمن في وجود خلل بين الديموجرافيا
والجغرافيا، أي أن هناك سكان ينمون بمعدلات سريعة بينما الوادي والدلتا
بنفس مساحتهما، لكن الكتاب يكشف أن هذا الخطاب يعد تزييفا للوعي المصري
بحقيقة مشكلات بلاده، وجزء من عملية القهر والاضطهاد لهذا الشعب، فالمشكلة
الحقيقية كما يقرها الكتاب هي توزيع الثروة والسلطة.
ويشير السباعي
إلى أن المشكلات الحادة التي تواجهها الثورة المصرية والمجتمع المصري الآن
مثارة في هذا العمل التي تتحدث فصوله الأخيرة عن مقدمات الثورة المصرية!.
كما
توجه مترجم الكتاب بنداء إلى النائب العام بأن يهتم بموضوع جاء ذكره في
الكتاب حول تقاضي ليلى تكلا وهي عضو بالبرلمان المصري رشوة عام 1990 من
شركة "لوكيد" قدرها مليون دولار، استخدمت نفوذها لإقناع قيادات الجيش
المصري بشراء ثلاث طائرات تنتجها الشركة!.
وقال السباعي : مؤلف
الكتاب يحمل فكرا عظيما وأسلوبا جميلا نابع من كونه عاشقاً للآداب والشعر
بشكل عام إلى جانب التاريخ، لذلك أستمتع بترجمته لما في أعماله من أفكار
عميقة أنحاز إلى معظمها سياسياً.
ووصف شريف يونس المترجم الآخر
للكتاب العمل بأنه مشوق، ويدفع الباحثين في العلوم الاجتماعية بشكل عام أن
يعيدوا التفكيير في مسلماتهم، باعتبارها فعل وليس انعكاساً لواقع فقط.
من
جانب أقر مدير الندوة د.خالد فهمي رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية
بالقاهرة بأن الكاتب البريطاني قد أثّر بشكل إيجابي على صورة مصر في
الخارج، مثل ثورة 25 يناير، فقد ساهم الكتاب على حد قوله في إقبال الغرب
على دراسة مصر والقراءة عنها بسبب إسهامات تيموثي ميتشل في هذا الصدد.
مشيراً
إلى أن الكتاب يتحدث عن مصر من أواخر القرن التاسع عشر وحتى نهاية القرن
العشرين بشكل يفيد كل الممارسين للتعليم الأكاديمي من حيث تطوير أساليب
التحليل وآليات التفكير.
الكتاب كما يقول فهمي يفحص صنع الاقتصاد
ومسائل أوسع من السياسة، مشيراً إلى أن هذا الكتاب يلقي الضوء على السياق
الاستعماري الذي نشأت فيه كثير من العلوم الاجتماعية والتطبيقية مثل
الإحصاء والهندسة المدنية والإدارة والعلوم السياسية والاقتصاد.
يحاول
ميتشل في فصل عن الملكية الفردية أن يثبت خطأ قول المستشرقين أن الشرق ظهر
به نمط الملكية الفردية وحاول التدليل على صحة كلامه بأن ظهور العزبة كنمط
للعملية الزراعية لم يكن نتاج ظهور طبقة ملاك جديدة صغيرة، بقدر ما كان
إلزاماً أو عقابا من الدولة للملاك الكبار، وحاول تأريخ تلك العلاقة
الجديدة.
فهمي يؤكد أن الكتاب صعب وعميق، قائلاً: المشكلة التي
تواجهنا في مصر بشأن تلك الكتب العميقة التي تنتج معرفة هي عدم قراءته
وانتشاره، رغم أنه يضيف الكثير لنمط تفكيرنا ويشككنا أيضا في آليات فهمنا
للعالم التي اعتدنا عليها .
أما د. مصطفى السيد أستاذ العلوم
السياسية بجامعة القاهرة فأشار بكلمته إلى أن الكتاب يركز على أوضاع
الفلاحين وعلاقات الملكية في مصر، وهو عادة ينتصر للضعفاء والمهمشين
بكتاباته .
ويؤكد الكتاب أننا استوعبنا أفكار العلم والعقلانية
والاستنارة والتكنولوجيا بشكل خاطيء لارتباطنا بمدرسة الحداثة، ويدرس
الكتاب أثر تلك المفاهيم على المواطنين ، ويرى أن الابتكار لا يكون دائماً
في صالح الضعفاء، بل قد يؤدي إلى طردهم من وظائفهم، والاستغناء عنهم.
كما أشار السيد إلى أن هناك فواعل أخرى لا نهتم بها رغم أثرها بالبشر ودورهم ومنها المرض والحرب والبيئة.
** المؤلف في سطور
تيموثي
ميتشل، عالم سياسي بريطاني ودارس العالم العربي. وهو أستاذ دراسات الشرق
الأوسط بجامعة كولومبيا، وأستاذ سابق للعلوم السياسية في جامعة نيويورك،
من أهم مؤلفاته كتاب "استعمار مصر" الذي قام بشير السباعي بترجمته عام
1990.