"ما بين لصوص ولصوص/ فرق في الأعلى والأدنى/ لصغارهم الموت المزري/
وكبارهم الشرف الأسنى" كلمات الشاعر اللبناني الكبير خليل مطران، التي تحل
اليوم الأول من يونيو ذكرى وفاته.
في السطور التالية نستعرض كتاب
"المختار من شعر خليل مطران" الصادر عن سلسلة الروائع الصادرة عن الهيئة
المصرية العامة للكتاب عام 1999، بالتعاون مع منظمة اليونسكو "كتاب في
جريدة" إعداد وتقديم دكتور سمير سرحان، ودكتور محمد عناني.
جاء في
تقديم الكتاب أنه لم يلق شاعر من كبار شعراء العربية في القرن العشرين من
التجاهل ما لقيه خليل مطران، بسبب طغيان شهرة معاصريه، وعلى رأسهم شوقي
وحافظ على شهرته، وطغيان شهرته هو مترجماً لشكسبير على شهرته شاعراً
أصيلاً مبدعاً.
وما يزال صيت خليل مطران مقترناً بترجماته الرائعة والرائدة لبعض مسرحيات شكسبير حتى كاد الكثيرون يدهشون حين يقرأون شعره!.
يقول
مقدما الكتاب أن مطران جمع بين الأصالة والابتكار، واهتم بالمسرح بشكل
كبير، فإليه يرجع الفضل الأول في إنشاء المسرح القومي في مصر.
جاءت
موضوعات شعره لا تختلف كثيرا عن موضوعات شوقي وحافظ، فهو غزير المراثي
وشعر المناسبات والغزل والوطنيات، لكن شعره ظل حبيس ديوانه، قد تتسرب منه
قصيدة أو قصيدتان إلى المناهج الدراسية فيطلع عليها النشء، ولكنها تظل
محتجبة عن الآذان، فلم يغن له كبار المطربين مثل شوقي وناجي وعلي محمود طه.
في قصيدة رقيقة يقول لحبيبته:
يا عيونا تسقي العيون الرحيقا
واصلي مدمنا أبى أن يفيقا
أسكريني على الدوام وأفني
مهجتي أدمعا وعزمي حريقا
تلك خمر الحياة من لم يذقها
مرة ليس بالحياة خليقا
وهي حسن الحياة سعدا وبؤسا
واصطباحا لشربها وغبوقا
أنت يا من سقت فؤادي منها
حر وجد ولوعة وخفوقا
إظلميني ما شاء ظلمك وانهي
آمر الحسن أن يكون شفيقا
عذبيني فقد جنيت على نفسي
وأمسيت بالعقاب حقيقا
فلهذا العقاب عاودت حبي
ولألقاه خنت عهدا وثيقا
كان
مطران من أوائل الشعراء العرب الذين اهتموا بالطبيعة، فكتب عن الأزهار
والطيور وتحدث عن العواطف، لكنه كان يطمح دائماً إلى التجديد فكتب أشكال
شعرية جديدة لعل أجسرها هو قصية النثر.
من أجواء قصيدته "الشاعر والطائر" نقرأ:
يَا أَيُّهَا الطَّائِرُ المُغَنِّى
بِلاَ نَثِيرٍ وَلاَ نَظِيمِ
مَنْ لِى بِشَدْوٍ طَلِيقِ فَنٍّ
كَشَدْوِكَ المَطْرِبِ الرَّخِيمِ
فَأَنْتَ تَشْدُو بِلاَ بَيَان
وَمَا تَشَاءُ المُنَى تُجِيدُ
وَنَحْنُ بِاللَّفْظِ وَالمَعَانِى
نَعْجَزُ عَنْ بَعْضِ مَا نُرِيدُ
لِيَشْكُ مَا شَاءَ كُلُّ شَاكِى
مِمَّا دَهَاهُ مِنَ الأُمُورْ
وَمَا عَلَيْنَا مِنْ حُزْنِ بَاكِى
إِذَا خَلَصْنَا إِلَى السُّرُورْ
مطران الثائر
في قصيدته "تهديد بالنفي" التي أهدى أبياتها إلى رئيس وزارة توعد الشاعر بالنفي من مصر بعد انتشار ما نظمه تحت عنوان "مقاطعة"، يقول:
أَنَا لاَ أَخَافُ وَلاَ أُرَجِّي
فَرَسِي مُؤَهَّبَةٌ وَسَرْجِي
فَإِذَا نَبَا بِيَ مَتْنُ برٍّ
فَالمَطِيَّةُ بَطْنُ لُجِّ
لاَ قَوْلَ غَيْرَ الْحَقِّ لِي
قَوْلٌ وَهَذا النَّهْجُ نَهْجِي
أَلْوَعْدُ والإيعَادُ مَا كَانَا
لَدَيَّ طَرِيقَ فُلْجِ
ولد
مطران في بعلبك بلبنان عام 1871 تعلم الفرنسية وأجادها، واشترك في شبابه
في الكفاح الوطني من أجل الاستقلال عن الدولة العثمانية، فتعرض لغضب
السلطان العثماني واضطر إلى الفرار إلى باريس عام 1900، وهناك درس الأدب
الفرنسي وترجم عن الفرنسية إلى العربية، وهاجر إلى مصر عام 1902 وظل بها
إلى أن توفى عام 1949.
لُقب بشاعر القطرين بسبب تنقله الكثير بين مصر والشام، وكان يلقي أشعاره في الحفلات العامة ويكتب في التاريخ والفلسفة الأخلاقية.
في قصيدته "تهنئة" للخديو عباس الثاني على أثر فتح السودان يقول:
أنظر سفائنك التي سيرتها فيه
كأطواد على التيار
وانظر جنودك في الفلاة تحملوا
شر العقاب لأمة أشرار
في قصيدة "إلى الأخ العزيز أحمد شوقي بك" يقول:
أطلت نأيك عني
وسمتني البعد شهرا
الشهر بعض الليالي
وربما كان عمرا
ثم يقول له :
ألست في الشهر تشدو
صوتا فتطرب دهرا
كم في ثلاثين يوما
أكسبت مصرك فخرا
كم صغت آية وحي
يعيدها الناس شعرا
وفي احدى قصائده يعلن الشاعر رغبته في عزلة الصحراء التي هي لديه خير من العيش في المدينة يقول:
ولّو المدينة وجهكم ودعوني
أنا في هواي وعزلتي وجنوني
عودوا إلى البلد الأمين وغادروا
بلدا لبعد الناس غير أمين
عودوا إلى حيث النمائم والأذى
و لا عيش بين وساوس وظنون
حيث الرذائل في مرافل عزة
حيث الفضائل في غلائل هون
أما
قصيدته "النوّارة أو زهرة المرجريت" فهي عمّا ألفه الغرار من العشاق أن
ينثروا أوراق هذه الزهرة واحدة بمعنى "نعم"، والتالية بمعنى "لا" بقصد أن
يتبينوا في نهاية العدد أتحبهم التي يعشقونها أم لا تحبهم، فقال الشاعر في
ذلك وقد كبر سناً.
أراجع نفسي هل أنا ذلك الذي
عهدت بأمسي أم أنا رجل ثان
علمت صنوف العلم درسا وخبرة
فمالي بلغت الجهل في منتهى شاني
أراني بعد الشيب عاودني الهوى
فرد صبى الدنيا علي وأصباني
ويقول في ختامها:
أسائل أوراقا ويا ليت شعرها
أتهواني الحسناء أم ليس تهواني
أنشد الشاعر قصيدته "الفداء" في حفل أقيم لتحية أرواح الشهداء المصريين في الحركة الوطنية يقول:
يحطم العظم منك دون بغيتكم
فتصبرون ويأبى العزم تحطيما
برّاً بمصر وخوفاً أن يسلّمها
إلى العِدا واهنو الإيمان تسليما
ليس الشهادة إلا من يموت على
حقٍّ ومن لا يبالي فيه ما سيما
إمضوا رفاقاً كراماً حسبكم عوضاً
مجد عزيز على الخُطّابِ إن ريما
للمشتري بصباه عزَّ أمته
ذكر يديم اسمه بالتبر مرقوما
المصدر: محيط – سميرة سليمان